ي.ت.
لا تقف ثورة النيل عند حدود، وتداعياتها تزدهر وتتصاعد بوتيرة سريعة لتطال تحولات سياسية وامنية واقتصادية وثقافية، وصارت الاخيرة اي الساحة الثقافية جزءاً من التحولات المهمة. كأن الانتفاضة تستكمل طريقها لتفتح صفحة تشمل الميادين المختلفة. وكما اسقطت الانتفاضة رؤساء وحكومات وقيادات امنية ووزراء هي اليوم تسقط وجوهاً ورموزاً ثقافية كأنما الهدف هو فتح صفحة جديدة خالية مما يسمى رجال النظام ومثقفي الفترة البائدة.
هذه الثورة لم تعد تقتصر على المؤسسات العامة، وصلت الى صروح في الصحافة المصرية الرسمية "الاهرام" و"الجمهورية" وان اظهرت اشكالاً من التنوع والتعددية والحرية الاعلامية في حدود ما مقارنة مع انظمة عربية اخرى احادية وطلعة تسويقية.
يبدو ان الازمة تتسع لتطال المؤسسات الاعلامية ووصلت الى جريدة "اخبار اليوم" عبر ملحقها "اخبار الأدب". فقد اصدر محررو الملحق الثقافي بياناً اعلنوا فيه الاضراب عن العمل لحين الاستجابة لمطالبهم وتحديداً قرارهم بابعاد رئيس التحرير مصطفى عبدالله "المتهم بالتسويق للنظام وهو يعمل مستشاراً لهيئة قصور الثقافة ويخلط بين السياسة التحريرية والتسويقية ضارباً اخلاقيات العمل الصحافي".
وقد اشار البيان الى ان عبدالله يدافع ويروج لمثقفي النظام الليبي الذي يبيد الشعب الليبي ويمارس سلوكيات اجرامية بحق شعبه مما يطيح طبيعة الجريدة الكبيرة وتاريخها.
الامور تشير الى عدم العودة عن القرار وفي حده الادنى مطالبة محرري الجريدة بتطهيرها تطهيراً شاملاً بعد "السقطات المريعة" التي ارتكبتها ادارة التحرير من مثل اعداد ملف حول الثقافة والواقع الملتهب في ليبيا مع رجل النظام والمسوق سياساته بامتياز الروائي الليبي احمد ابراهيم الفقيه.
والمعروف عن الاخير انه يبني من خلال اقامته في مصر منذ سنوات كشكولا من العلاقات الاجتماعية مع مثقفين عرب ومصريين تسويقاً لسياسات النظام ويجري البحث عنه حالياً وهو الهارب من مواجهة الحقيقة التي عرت نظام القذافي ووحشيته. وهذا نموذج من ارتكابات السياسة التحريرية الماضية.
المحررون يطالبون بالتطهير وبصفحة جديدة من عمل "اخبار اليوم" وملحقها "اخبار الادب" وبأن يكون للمحررين دور رئيسي في اختيار رئيس التحرير عبر الانتخاب.
وقع على البيان كل من محمد شعير، طارق الطاهر، نائل الطوخي، منصورة عز الدين، حسن عبد الموجود، اسامة فاروق، محمد مختار، احمد ناجي، احمد وائل واحمد عبد اللطيف.
هل هذا استكمال لنوع من ديموقراطية في اختيار المسؤولين ورؤساء التحرير في وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، متخذين نوعاً من الاستقلالية تجعلها غير مرتهنة للوصايات السياسية او لارادات من خارج الثقافة والسياسة والتحرير والمهنة؟ خصوصاً وان المحررين في "اخبار الادب" يطالبون هم بانتخاب رئيس التحرير. وهذه هي المرة الاولى التي تضغط القاعدة في مؤسسة ثقافية لانتخاب رئيسها، وكلنا يعلم ان رؤساء التحرير كانت تعينهم السلطة. وهذا ينطبق على الانظمة السياسية التوتاليتارية.
فهل تكون انتفاضة محرري "اخبار الادب" فاتحة انتفاضات قد تشهدها سائر المؤسسات فتكون فصلاً حاسماً بين ارادة السلطة وارادة المحررين والعمال؟